• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقوق المواطن الإلكتروني

جميل عودة

حقوق المواطن الإلكتروني

أصبح للاتصالات والمعلومات الرقمية الحديثة الدور الأكبر في تسهيل وتسريع عمليات الوصول إلى مصادر المعلومات والأخبار، والتواصل مع المسؤولين وصنّاع السياسات العامّة، فتحوّل الفرد في هذا الفضاء في ممارسته للمواطنة من شكل المواطن العادي إلى شكل المواطن الإلكتروني أو الرقمي.

 و«الإنسان الرقمي» هو مصطلحٌ جديد بدأ يفرِض وجوده مؤخَّراً في عالمنا العربي، ويُشير عادةً للشخص الذي يشارك في أنشطة المجتمع من خلال استخدامه لتكنولوجيا المعلومات (كالكومبيوترات والهواتف الخلوية وغيرها)، ويصِف الناسُ أنفسَهم بأنّهم مواطنون رقميُّون عندما يفرطون في الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات، فيُنشئ أغلبهم مدوَّنات خاصّة بهم للتعبير عن آرائهم، كما يُفضِّلون التواصُل اجتماعياً بالطُّرُق الحديثة عبرَ شبكات التواصل الاجتماعي الموجودة على شبكات (الإنترنت).

 يمكن اعتبار «الإنسان الرقمي» ذلك الذي وُلِد خلال طفرة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية، منذ سن مبكرة، ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم. فهذا المصطلح يركّز على الأشخاص الذين نشئوا مع التكنولوجيا التي انتشرت في الجزء الأخير من القرن 20 واستمرت بالتطوّر حتى يومنا هذا. فهو ذلك الشخص الذي يفهم قيمة التكنولوجيا الرقمية ويستخدمها للبحث والسعي لإيجاد فرص ينفذها ويكون لها تأثير.

 أمّا «المواطن الإلكتروني» فهو ذك المواطن العادي، الذي يُحسن التعامل مع الخدمات العامّة الإلكترونية التي توفّرها حكومته الإلكترونية، عن طريق استخدام الفئة G2C، وهي فئة توفرها الحكومة الإلكترونية، حيث تتضمن كلّ التفاعلات بين الحكومة ومواطنيها، سواء كانوا داخل البلد أو خارجه.

 السؤال هنا، كيف يمكن أن يتحوّل المواطن العادي إلى مواطن رقمي أو الإلكتروني؟ وما هي وسائله وأدواته؟ وما هي الفوائد والامتيازات التي يمكن أن يحصل عليها؟ وما هي واجباته وحقوقه؟

 قبل الحديث عن «المواطن الالكتروني أو الرقمي» لابدّ أن تعرف أوّلاً على مفهوم «الحكومة الإلكترونية» فهي قاعدة المعلومات الأساس التي يتمكن من خلالها المواطن من الانتقال من حالة المواطن العادي إلى حالة المواطن الالكتروني، فبدون ما يعرف اليوم بـ «بالحكومة الإلكترونية» لا يمكن الحديث عن المواطن الإلكتروني.

 يعتبر مفهوم الحكومة الإلكترونية جديداً في الأدبيات الأكاديمية، حيث يمكن تعريفها بأنّها عملية استخدام المؤسسات الحكومية لتكنولوجيا المعلومات والتي لديها القدرة على تغيير وتحويل العلاقات مع المواطنين ورجال الأعمال ومختلف المؤسسات الحكومية، وهذه التكنولوجيا يمكنها أن تخدم عدداً كبيراً من الأهداف مثل تقديم خدمات أفضل للمواطنين وتحسين التعامل والتفاعل مع رجال الأعمال ومجتمع الصناعة، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومات ويوفر مزيداً من الشفافية وإدارة أكثر كفاءة للمؤسسات الحكومية، كما أنّ نتائج هذه التطبيقات يمكن أن تؤدّي إلى تحجيم الفساد وزيادة الشفافية وتعظيم العائد ككلّ وتخفيض النفقات وزيادة قناعة المواطن بدور المؤسسة الحكومية في حياته.

 يرى بعض المختصين أنّ «الحكومة الإلكترونية» هي أتمتة التعامل ما بـين الـدوائر الحكومية بعضها ببعض من جهة، والدوائر الحكومية وقطاع الأعمال والمواطنين مـن جهـة أُخرى. بحيث أصبحت بمثابة إدارة عامّة مسؤولة عن تقديم المعلومات والخدمات الإلكترونية بطريقة رقمية للمواطنين ومنشئات الأعمال القادرة على الاتصال إلكترونياً عن بُعد من خلال الإنترانت، الإكسترانت، الإنترنت، التليفون، مراكز المجتمع، أدوات الاتصال اللاسلكية أو نظم الاتصال الأُخرى المتوافرة.

 ومع ذلك، يقول المعنيون بشأن تقنية المعلومات والاتصالات: «إنّ عملية الانتقال من الحكومة التقليدية، إلى الحكومة الإلكترونية e-Government، ليست بالعملية السهلة، حيث أنّها تمر بثلاث مراحل هي: النشر، والتفاعل، والتعامل. كما أنّ نجاحها يتطلب تحقيق مجموعة من الشروط، منها: المتطلبات القانونية، المتطلبات التنظيمية والإدارية، المتطلبات التقنية، والمتطلبات الثقافية. والمتطلب الأخير بالغ الأهمّية، حيث يعنى بنشر الثقافة الإلكترونية، وتحويل المواطن العادي إلى مواطن إلكتروني  e-Citizen»، ورضا المواطن الإلكتروني هو المعيار الأساسي الذي تُقاس عليه جودة الخدمات المقدمة.

 فالمواطن الإلكتروني هو في الحقيقة مواطن عادي، ولكن زوّد بمهارات تمكنه من استخدام الخدمات الإلكترونية المتاحة في بوابة حكومته الإلكترونية. وعلى الحكومة العمل على إعداد مواطنيها وتدريبهم وتعريفهم على الخدمات المتاحة، والتعرّف على الخدمات التي يحتاجونها، تماماً مثلما تقوم بإعداد موظفيها، هدفها في ذلك زيادة عدد مواطنيها على الإنترنت. وجعلهم شركاء حقيقيين عن طريق الاستبيانات، وأدوات قياس الرأي العام التي يجب أن تتضمنها البوابة، والعمل على زيادة الخدمات المتاحة وتحسينها. وهذا الإعداد يتضمن التعليم، والمساعدة، والتدريب، تبسيط الإجراءات... ممّا يوفر على كلا الطرفين الجهد والوقت، ويؤمّن مصادر البيانات المناسبة في صنع أي قرار مستقبلي يؤثّر بشكل إيجابي في سبيل تحقيق الأهداف والسياسات التي تضعها الحكومة.

 إنّ ذلك يتطلب إعادة هندسة جميع الإجراءات الحكومية المتعلقة بالمواطن، ويجـب تقريـب الحكومة للمواطن من خلال توفير إمكانية الوصول للخدمات الحكومية في أي وقت وفي أي مكان يحتاج المواطن إليها، وبتكلفة ميسّرة، ومن خلال وسائل متعدّدة سواء بزيـارة مكتـب خدمي واحد «له فروع في أغلب المناطق» أو من خلال الوسائل الإلكترونية مثـل الهـاتف الأرضي والجوال والإنترنت وأكشاك المعلومات، ويجب توفر العدالة الاجتماعية من خـلال وصول الخدمة لجميع المواطنين بغض النظر عن دخلهم أو مكانهم أو مستوى تعليمهم، وذلك بتسهيل الوصول للخدمات الحكومية وتسهيل إتمامها وتقليل تكلفة إنجازها، وتـوفير وسـائل متعدّدة للوصول للخدمات الحكومية.

 ذكر (الزهراني، 2005) أنّه يجب أيضاً توفر الرغبة الحقيقية في تقديم خدمة متميـزة للمواطن وتيسير حياته لا تعقيدها، فتكون لدى الحكومة نفس الرغبة الموجودة لدى الشركات التجارية في إرضاء العميل. بحيث يُعاد النظر في جميع الإجراءات الحكومية حتـى يكـون محورها خدمة المواطن، ويتضمن ذلك تقديم الخدمات حسب رغبة أو وجهة نظر المـواطن وليس حسب التقسيم الإداري للجهات الحكومية، فيكفي عند تسجيل المولود الاكتفـاء بـبلاغ واحد للقيام بجميع إجراءات التسجيل للمولود دون الحاجة لمراجعة أي جهة حكومية.

 وفي كلّ الأحوال فإنّ المواطن العادي لا يمكن له أن يتحوّل إلى المواطن الإلكتروني إلّا من خلال توفر مجموعة من الحقوق والامتيازات التي يمكن أن تُساهم إيجابياً على زيادة إقبال المواطن على خدمات الحكومة الإلكترونية مثل: ارتفاع معدل الدخل، وارتفاع مستوى التعليم، وارتفاع مستوى المعرفة بالحاسوب والإنترنت، وارتفاع مستوى المعرفة بمتطلبات الحكومة الإلكترونية، واستخدام آليات التوعية لمفهوم وطبيعة الحكومة الإلكترونية، والإدراك الجيِّد لمزايا الحكومة الإلكترونية، وتوفر البنية التحتية لاستخدام الخدمات الإلكترونية، وتوفر الثقة لدى المواطنين في الخدمات الإلكترونية وغيرها.

 إنّ الخدمات التكنولوجية قائمة في الغالب على معيار التواصل بين المواطن والإدارة، فالمواطن يتجه إليها طلباً لما يحتاجه من رفاهية، وهي بتواصلها معه توفر له مجموعة من التسهيلات في شكل مادّي (خدمات) أو في شكل معنوي (تسهيلات ورضى داخلي)، فيتم ذلك في بيئة الديمقراطية الإلكترونية عبر وسيط تكنولوجي هو في الغالب الإنترنت (شبكة دولية خارجية) أو الإنترنت (كشبكة داخلية ومحلية)، لذلك فإنّ الإعلام يقدّم الجماهير إلى فكرة الانتماء ويهيؤهم لها بالطاقة والتأثير إلى مجموعة وتجمع أكبر منهم، وفي الوقت نفسه يعدهم لمشاركة جماهيرية أكبر، وأنّه من قصر النظر رفض ونفي الفكرة القائلة أنّ تكنولوجيا الإعلام تفتح آفاق التواصل التي تشمل التواصل المحلي والعالمي.

وعليه يمكن أن تأخذ علاقات المواطن بهذا الشكل الجديد من الحكومة عدة وجوه أبرزها:

1- الديمقراطية الالكترونية: من أهم أهداف الحكومة الإلكترونية هو تحقيق ما يُعرف بالديمقراطية الإلكترونية، فهذا الشكل من الديمقراطية هو تقديم المعلومات عن العمليات السياسية والخدمات التي توفرها للمواطن عن طريق التكنولوجيا الرقمية والاتصالية والتواصلية، فتتحوّل بناء عليه إلى ديمقراطية افتراضية، كما تهدف هذه الديمقراطية إلى تشجيع المشاركة النشطة للمواطن من خلال إعلامه وتمثيله واستشارته وتشجيعه على المشاركة السياسية والتعاون في خدمة البلاد والصالح العام.

ومن أبرز ملامح العلاقة المعلوماتية/ السياسة هو ما يتعلق بالديمقراطية مفهوماً وممارسة، «حيث يزعم الكثيرون أنّ خدمة الإنترنت سوف تقضي على إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية من أساسه، حيث وفرت خدمة الإنترنت ساحة جديدة للرأي العام تسمح بظهور أشكال جديدة للممارسة الديمقراطية سواء في عمليات اتخاذ القرارات أو متابعة ما ينجم عنها من نتائج إيجابية أو سلبية».

2- الخدمات الإلكترونية: باعتبار أنّ المواطن هو صانع الديمقراطية الإلكترونية فإنّه سيكون أيضاً أوّل المستفيدين من نتاجها من باب تسهيل معاشه وحياته اليومية، وعليه فإنّه سيستفيد من الخدمات الإلكترونية التي تنتجها وتصدرها، فتكون بذلك جل نشاطاته اليومية في كنفها ذات طابع رقمي وتكنولوجي، من طلب الوثائق إلى استخراجها إلى التماس مقابلة المسؤولين ومحاورتهم وقد تكون في شكل مقابلات «على الخطّ» (On line) من دون أن يغادر أحد مكانه، وقد يعمد المواطن أيضاً إلى إجراء عمليات البيع والشراء وتسجيل المنتجات أو توريد سلع أو تصديرها بشكل إلكتروني، وتشمل الخدمات الإلكترونية أيضاً الحجز الجوي أو البحري وإلغاء الحجز أو تعديل مواعيد الرحلات، وجلب العمالة للمشاريع وسحب الأموال وضخها ودفع الأُجور وتحويل رؤوس الأموال...

3- الإدارة الإلكترونية: تعني الإدارة إجمالاً ضمان حُسن سير المرافق العمومية أو الخاصّة وتسيير الموارد البشرية والمادّية لذات المرفق، وعند الكلام عن الإدارة الإلكترونية تـأخذ معنى تسيير المرافق ومواردها البشرية بأدوات تكنولوجية وآليات رقمية ونظم اتصالية، حيث تعمد الإدارة إلى استخدام الحواسيب وشبكة الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة في عمليات التواصل مع الإطار البشري العامل وفي عمليات الرصد والمتابعة لأعمال الموظفين ونشاطات العمّال، كما يتقلص التعامل بالأوراق والملصقات الحائطية فيتم الانتقال بذلك من النظم الورقية إلى النظم الرقمية من خلال الاعتماد على الأوامر الإلكترونية والتعليمات الرقمية في حسابات الموظفين عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، فتكون دعوات الاجتماع في هذه البيئة إلكترونية ومحاضر الجلسات رقمية، ومنه تستفيد الإدارة من ربح هامش الزمن الذي كان يضيع في رتابة العمل اليومي.

ارسال التعليق

Top